الخميس، 28 أكتوبر 2010

سلطنة عٌمان قبل النهضة

سلطنة عمان قبل النهضة


بينما كنا نحتفل بالذكرى التاسعة والثلاثين ليوم النهضة وبدأ مسيرة بناء الوطن بقيادة السلطان قابوس وتأسيس دولة متماسكة الأركان، كان العالم – وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية- يحتفل بالذكرى الأربعين لزيارة بقعة نائية جرداء تدعى "القمر"، تلك الزيارة التي وصفها ارمسترونج حينها بأنه " خطوة صغيرة لرجل، ولكنها قفزة عملاقة للبشرية".
ومن المصادفة أن يتواجد المشككون في الحدثين، فبينما لا يعترف البعض بوصول أمريكا للقمر قائلاً بأن ما حدث ليس سوى فبركة إعلامية من أجل القضاء على الإتحاد السوفييتي وإنهاء "التسابق نحو الفضاء" الذي كان مسيطراً على الأجواء حينها، فهناك أيضاً من لا يعترف بوجود نهضة عُمانية و ربما يقول بعضهم أن كل ما جرى من أحداث ليس إلا صنيعة بريطانية من أجل مواصلة الهيمنة الإنجليزية على عُمان تحت ستارٍ أفضل.

ليس المجال هنا لمناقشة نظرية "المؤامرة" أو التغني بإنجازات النهضة وليس لدحض وجودها أو نفي أن 23 يوليو لعام 1970م كان يوماً تاريخياً وبداية جديدة لعصرٍ جديد، ولكنها محاولة لاستقراء الأحداث في الأعوام الحالية التي ستشهد الذكرى الأربعين لولادة النهضة أدامها الله.



* النهضة والجيل الجديد:
أذكر أننا في طفولتي كُنا نتسابق في تعليق الأعلام الوطنية و "الزينة" وصور صاحب الجلالة احتفالاً بالعيد الوطني أو يوم النهضة، كما أذكر أننا كنا نتسمر أمام شاشة التلفاز لمشاهدة جولات صاحب الجلالة – حفظه الله- في ربوع السلطنة، ونبتسم ونحن نرى الأطفال يرمون الزهور على سيارة جلالته من جانبيّ الطريق. أما اليوم فإننا نبدأ منذ بداية شهر يوليو/نوفمبر لنسأل عن إجازة يوم النهضة/ العيد الوطني وكم ستستمر، ونضيف إلى ذلك في كل خمس سنوات سؤالاً عن "تدبيل" الرواتب الأساسية وعن الإعفاء من الديون، ثم تمر تلك "الأيام الوطنية" مرور الكرام دون أي احتفالية "غير رسمية" من قبل المواطنين إلا في حالات نادرة جداً.
هذه الملاحظة لا يمكن فصلها عن حالات التذمر الشعبي التي تتصاعد يوماً بعد يوم، والإتهامات التي يرميها المواطنون للإعلام بـ"التطبيل" و "التزمير" لإنجازات يرونها لا تستحق ذلك، ولا عن حالة السخط الشعبي من الأداء الحكومي العام التي تملأ صفحات الإنترنت وفي بضعة أحيان تنجح في التسلل لصفحات الجرائد المحلية.
كل هذا ينسب تقريباً لـ"الجيل الجديد" الذي لم يعاصر النهضة ولا مخاضها، ولم يعاصر "الجيل القديم" ومعاناته حتى يقدر قيمة النهضة كما يقول البعض، وربما يحمل هذا الكلام الكثير من الصواب ولكنه في ذات الوقت يحمل اتهاماً غير مبرر، فهل هي مطالبة بأن يعاني الجيل الجديد ثم نأتي بنهضة صنعت خصيصاً له حتى يتغنى بإنجازاتها؟ هل عندما يأتي الطالب الجامعي – مثلاً- ليقول أنه لا يجد سكناً مناسباً نصرخ في وجهه "احنا أيام زمان تعلمنا تحت ظل شجرة وكنا نمشي خمسة كيلو عشان نوصل المدرسة!" ؟
هل هي دعوة لتوقف النهضة عند هذا الحد، لأن الطالب – في مثالنا أعلاه- لم يعد يدرس تحت ظل شجرة ولا يمشي خمسة كيلومترات من أجل الوصول لمدرسته أو جامعته؟

بل المطلوب من النهضة أن لا تظل جامدة، وأن تدرك أن ما كان "أساسياً" في القديم الغابر من شوارع وإنارة أصبح اليوم حقاً وطنياً لا يُعتبر من إنجازات النهضة، وأن ما كان بالأمس يُعد من "الكماليات" من انترنت وحرية تعبير أصبح اليوم "أساسياً" ومطلباً ضرورياً يجب على الحكومة توفيره للأجيال الجديدة.
إن النهضة بصورتها النمطية اليوم لم تعد تجذب أنظار الكثيرين من الشباب لأنها ما زالت تُعامل العماني في الألفية الجديدة معاملته في ثمانيات القرن الماضي، دون أن تدرك التغير على تفكير ورغبات العماني الجديد.


* النهضة والسلطان:
لا يختلف اثنان على المكانة التي يحتلها السلطان قابوس في قلوب العمانيين، ومن الغباء – بنظري- نسبة تلك المكانة إلى الإعلام العماني لأن هذا الأخير لم ينجح في "تلميع" صورة الحكومة ولا إنجازاتها في الآونة الأخيرة، وما زالت جرائده تقبع تحت موائد الغداء كما لا تزال قناته الحكومية الوحيدة وبرنامجها الثاني يقبعان بعيداً عمّا يظهر في شاشة تلفاز المواطن العماني إلا في حالات نادرة.
لا يمكننا قطعاً احتكار الولاء الذي يبديه العماني لسلطانه في نطاق ضيق، ولا يمكننا أن ننكر قوة الشخصية أو الكاريزما التي يتمتع بها جلالته أو الإنجازات التي حققها لعمان.
نحن في دولة لا يدعي سلطانها أنه من "نسل الرسول" أو يصرخ على الملأ بأنه "أمير المؤمنين" وبوجوب طاعته، ولسنا في دولة تُقاد الفتيات فيها من أقصى البلاد إلى السلطان كي يكّن جواري له بعد تغيير أسماؤهن إلى "شمس الدنيا" وما شابه، وعلى الرغم من ملكيّة النظام ووراثة الحكم فإن "الكتاب الأبيض" – كما يُطلق عليه- وضع بعض الحرية في اختيار السلطان الجديد مما يضمن في حالات كثيرة اتفاق الأسرة الحاكمة وأصحاب الصف الأول في البلاد لمن سيقودهم بعيداً عن وصية السلطان الراحل التي لا تفتح إلا في حالة الإختلاف.
ولعل وصف صاحب الجلالة للأنظمة بأن "الشعوب ألفتها" هو الأصح هنا، فعمان عرفت نظام حكم الأسرة منذ مئات السنين مع اليعاربة والبوسعيديين ومع النباهنة وغيرهم في فترات متقطعة.
حتى المطالبين بتغيير نظام الحكم يدعون في أحيان كثيرة إلى إقامة "ملكية دستورية" للحفاظ على رأس النظام ليظل ثابتاً، خصوصاً وأن المنطقة وأهلها لا يتحملون دفعة كبيرة من الديموقراطية مرة واحدة كما حدث في الكويت على سبيل المثال.



* النهضة والإصلاح:
أصبح الكثير من مسئولي الدولة ممن يعدون من "رموز الفساد" بالنسبة للشعب، فبين وزير "قشعت" عمارته إلى آخر طُرد من منصبه، وثالث يسابق في التوقيع إلى مناقصات بأرقام هائلة لردم أراضي، ورابع تفنن في تجميع المناصب الحساسة و الأوسمة الرفيعة في ذات الوقت كأنه [ سوبر معالي]، وغيرهم ممن تتداولهم الألسنة كثيرين.
لكننا لو أخفضنا رؤوسنا قليلاً نحو قاعدة الهرم لما تغير الوضع كثيراً، فللتاجر الوزير نسخة مصغرة تكمن في موظف البلدية التاجر الذي يعلم أين تكمن الأراضي الحساسة ويوزعها بـ"قرعة" (اقتراع) مزورة لأقرب أهاليه، وفي الشرطي الذي يُنّجح بواسطة ابن عمه في امتحان القيادة من أول مرة أو يُقدمه في الدور لإكمال معاملة على حساب غيره.
نتفنن كثيراً في وصف "الحكوميين" بعدم إلمامهم بمسؤولياتهم وأنهم "ما قدها"، ونتسابق في وصف بعض الوزارات وإداراتها بأنها "متخبطة"، في حين أننا نستغرق أكثر من خمس سنوات كاملة "نتضارب" و نختلف بخصوص بناء سبلة عامة لقرية جبلية صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها الألف أو الألفين في أحسن تقدير!
نتحدث عن "الاستغلال" و "استخدام النفوذ" في حين أن نصف لعاب أنديتنا المحلية هم من نفس "فخيذة" أو "قبيلة" رئيس النادي، وأن "عضو مجلس الشورى" الممثل للولاية الفلانية يجب أن يكون من القبيلة الفلانية بغض النظر عن الكفاءات!
هل هبط المسئولون بذنوبهم وعيوبهم من السماء، أم أنهم من عامة الشعب؟!
هل ذلك الشرطي سيتوقف عن ممارسة "الرشوة" و "الواسطة" و "الفساد" بمجرد أن تزيد نجمة على كتفه ويصبح عقيداً أو عميداً؟
وهل سيتصّلح حال ذلك الموظف الصغير عندما يسبق اسمه لقب [سعادة الشيخ]؟!




* النهضة والإعلام:
أركز هنا على الإعلام لأنه من المفترض أن يكون "سلطة رابعة" أو "مرآة المجتمع" على أقل تقدير، ولكن إعلامنا العماني – للأسف الشديد- ما زال يعاني من أمراض عديدة كالرقابة وسيطرة "القبليّة" عليه بالإضافة إلى علل أخرى.
لن أتكلم هنا عن الإعلام الحكومي أو الإعلام التقليدي لأن الكثيرين خاضوا في هذه المعمعة – ولعل أبرزهم من المدونين عمّار المعمري ومعاوية الرواحي – ولكني سأركز على تقبل المجتمع للحرية الإعلامية، فأنا أذكر أنني سألت ذات مرة الدكتور عبد الله الكندي عن الرقابة في الإعلام وكيفية تأثيره سلباً على نشاط الصحفيين والكتاب فقال لي بأن الرقابة و "مقص الرقيب" الحقيقي يكمن في المجتمع نفسه الذي يُحرم الحديث عن الكثير من الأمور والآفات المنتشرة فيه.
قال لي الدكتور هذا الكلام منذ عام أو اثنين تقريباً، وظننتُ يومها أنها مجرد محاولة منه للتهرب من نقد الرقابة الحكومية، والآن أدرك صدق كلامه، فمن "مُهذون" يتم تهديده وسبه لمجرد حديثه بشكل واضح عن الشذوذ الجنسي إلى اختراق لموقع لتهديد كاتبة تنادي بحقوق المرأة، إلى حالة استنفار عامة إن مسّ الحديث ولاية معينة أو قبيلة بحد ذاتها.
قالت بسمة في حديثها مع موقع الحارة العمانية – فيما معناه – أن الكاتب الذي يتحدث عن الحكومة وينتقد أداؤها بإمكانه أن يصل لدرجة "التقديس" بكل سهولة، في حين أنه عندما يصطدم مع بعض الفئات مع المجتمع أو مع نظرة معينة تسيطر عليه فإن التكفير والسب والقذف يصبح من نصيبه، ولذلك فإن الحكومة في كثير من الأحيان أهون المجتمع في عداوتها مع الكتاب.

لذلك أرى أن الطريق لتغيير "الإعلام التقليدي" من تلفاز وإذاعة وجرائد لا يكمن في تغيير "أجساد" بعض المسئولين في حين تظل "علقياتهم" هي التي تدير الإعلام، بقدر ما يكمن في "الأعلام غير التقليدي" من منتديات ومدونات وجرائد إلكترونية.



* النهضة والوعي:
أن يكون لديك طالب جامعي معدله فوق الثلاثة فلا يعني أنك قد حصلت على مواطن لا يرمي القاذورات على الأرض، أو أنه سيصوت للمرشح الأفضل في مجلس الشورى لا لابن عمه.
وللأسف فإن "الوعي" يكاد يكون منعدماً في كثير من الأحيان لدى العمانيين، وما فشلت فيه "الكتيبات الإرشادية" و "الحملات التوعوية" فلن تنجح فيه الرادارت أبداً.
وعدم انتشار "الوعي" – برأيي- هو نتاج مشترك للمواطنين وللمؤسسات، فالمؤسسات من جهة حولت مهمة نشر الوعي الملقاة على عاتقها إلى مسابقات نظافة تقليدية أو أمور وظيفية بحتة، والمواطن من جهة أخرى يعرف الصح من الخطأ ولكنه يفضل الأخير إن كانت مصلحته الشخصية تقبع هناك.
كيف يمكننا أن نطالب بمجلس شورى ذو صلاحيات أوسع في حين أن من يفوز بأصوات المرشحين في كثير من الأحيان هو من يدفع خمسة ريالات للصوت بصورة أكثر، أو من تكون "عزيمته" أكبر؟ وأهم من ذلك أن يكون من القبيلة الفلانية!
إلى اليوم – بعد أربعين سنة تقريباً من النهضة – ونحن نعاني من "القبليّة" في كل شيء، وما زال التقسيم الطبقي شيخ/ عادي/ خادم يسيطر على أبسط المعاملات الاجتماعية بصورة أو أخرى، وإلى اليوم وللشيوخ نصيب من ميزانية الدولة بأشكال كثيرة.



* وللحكومة نصيب:
كما قلت سابقاً فإن بعض المسئولين ما زالوا ينظرون للمواطن اليوم نظرتهم إليه بالأمس، فمن مسئول يعارض تطبيق سؤال "من أين لك هذا؟" حتى لا يطعن في الذمم، إلى آخر لا يعجبه مستوى حرية التعبير عن الرأي في البلاد ويطالب بتكميم الأفواه وإلى فرصة أخرى لقمع "خفافيش الظلام" في العالم الرقمي.
وبينما يقبع ضحايا جونو – الممنوع ذكره إعلامياً! – في كرفانات، يبني [معاليهم] قصراً بجوار مقر عمله أو مقر عمله زوجه، وبينما يكّد و "يهيس" الجندي البسيط براتب أقل من متواضع، يتبارى أصحاب النجوم اللامعة على الأكتاف في بناء العمارات بالخوض وغيرها لرفع الإيجارات على الطلبة والعمال البسطاء قبل طردهم وتأجيرها لشركات مساهمة عامة لأولاد [معاليهم] فيها نصيب بكل تأكيد.
وبينما تتسابق دول العالم في مجال حرية التعبير عن الرأي وإنشاء الحكومات الإلكترونية تظهر لنا مادة في قانون الاتصالات تعامل المنتديات معاملة الصحف اليومية!

لن يحس [معاليهم] ولا [سعادتهم] بمعاناة المواطن العادي إن كان أبناؤهم يدرسون في مدارس خاصة ثنائية اللغة ويتعالجون في مستشفيات خاصة خارج وداخل السلطنة، ويقضون الصيف في أوروبا ويكملون تعليمهم العالي في أمريكا قبل أن يعود الإبن البكر ليمسك شركات الوالد حتى يتفرغ الأخير –حينها- لمتابعة أعمال وزارته وقد اطمأن على مستقبل أحفاده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق